الحجة خضرة

في بلدة حور في محافظة اربد عاشت المرأة الحديدية مثلما يسميها ابناء القرية قرابة المائة واربعة اعوام لم تشكو يوما من ألم في الجسم أو فاقة أو ضيق في الحال ، مواظبة على الصلاة ، حجت ثلاثة مرات ، كانت أوضاع البلد في تلك الاوقات صعبة للغاية ورغم ذلك كانت الحاجة خضرة رحمها الله تتميز بكل الصفات الرائعة من شهامة وجرأة وقوة وجلد وحكمة وغيرها من الصفات النبيلة، قصتها نادرة فيها من الطرافة والغرابة الكثير ، تروي لنا حفيدتها (ام طارق الحوري) ما تذكره من معاصرتها لجدتها وما سمعته من عمتها الحاجة (مشايخ) ابنة المرأة الحديدية التي لا زالت تسكن في قرية حور حتى هذه الايام.

المرحومة الحاجة خضرة مع زوجها المرحوم الحاج فياض

العريس الاول ورويتع وفياض
تقدم أول عريس للحاجة خضرة قبل تسعين عاما، وكان ان رفضته بشدة واحتجت على ذلك بان هربت من القرية وربطت نفسها بشجرة زيتون بعيدة عن القرية وظلت على هذا الحال الى ان اقتنع اولياء أمرها بعدالة قضيتها وتم رفض العريس الاول ، أما الثاني وكان يدعى (رويتع) فقد خطبها ولم تكمل حياتها معه ، أما العريس الثالث فقد أكملت معه بقية عمرها وهو فياض محيميد الحسان وانجبت منه اربعة اولاد وثلاثة بنات .

الكرم وحسن الضيافة
تميزت الحاجة خضرة بنفسها الطيبة وكانت تحب كل الناس والكل يحبونها ، وكان من المألوف لرجال الدرك ان يأتوا ليلاً للمختار في القرية للراحة وكان المختار (مفضي محيميد الحسان) شقيق زوجها يستضيفهم في (المضافة) وحال ان تسمع ان لديهم ضيوفا تقوم باعداد (الهفيت) وخلال أقل من ساعة يكون الطعام جاهزاً لهم .
ويروى انها لم ترد أحداً طلب منها طعاماً أو ايواءً رغم ضيق ذات اليد يساندها في ذلك زوجها ، وغالباً ما كانت توزع على المحيطين بها (الزلابيا) و (أقراص العيد).

داية ومعالجة
منذ ان وعيت على الدنيا وانا اسمع ان جدتي داية ومعالجة لكثير من الامراض ومعظم نساء القرية قامت الحاجة خضرة بتوليده
ن وأصبحن الان جدات، وكانت تواظب على زيارة المرأة التي تلد لمدة شهرين كاملين وبعد الشهرين تأخذ معها هدية للطفل وتبارك لهم فيه وتودعهم.

أما العلاج فكانت تعالج بالاعشاب مثل (عنزروت ، مرمتشه ، مروحه ، والسرمكه) وهذه الاعشاب كانت تعالج بها النساء والاطفال ، اضافة الى معالجة الاطفال بطرق أخرى مثل وضع الطفل الغير مكتمل النمو تحت (الغربال) ، وطريقة العلاج بالتشطيب ووضع زهرة (السيجارة) مكان التشطيب حتى يبرأ الالم، بالاضافة الى شك الثوم بالخيط وتعليقه في رقبة الطفل حتى يبرأ باذن الله.

ومن الطرق الاخرى المتعلقة بالاطفال صنع (لهايات) الاطفال وذلك بوضع قطعة من الحلوى (الراحة) أو (السكر الفضي) داخل قطعة من الشاش ووضعها في فم الرضيع بعد تثبيتها بخيط مناسب وتكون النتيجة ان يهدأ الرضيع تماما ويستمتع بها.

مراثون الاربعين كيلومتر

في بداية عام 1970 تعرض أحد أحفادها (وليد) الى ضربة قاسية أصابت قدمه ودخل مستشفى ايدون العسكري للعلاج ، وتناهي الى مسامع الجدة أن الطرق سيتم اغلاقها والاوضاع متوترة فكان ان غادرت بيتها في قرية حور فجراً مروراً بقرية سوم ثم كفريوبا فاربد ثم ايدون ودخلت المستشفى وحملت الفتى على كتفها وعادت به بنفس الطريق رغم صعوبة المسير في ظروف الحرب آنذاك ووعورة الطرق الترابية وتحذير الناس لها من الالغام التي كانت منتشرة بكثافة الا انها تمكنت من العودة به سالمة رغم مسافة الذهاب والاياب والتي تقارب الاربعين كيلو متراَ ، وذهل ابناؤها وأهل القرية حين رأوها تحمل الفتى على كتفها و حملاً في حجرها وحين سألها اولادها عن حملها الاضافي قالت انها عرجت على قرية مجاورة عند احدى صديقاتها وقطفت بعض البندورة والبامية في طريق عودتها .

الفتك بالضباع

ما خشيت الحاجة خضرة يوما من الضباع وكانت تسخر ممن يخشاها وكان لها صولات وجولات مع الضباع ، ففي أحد الايام وبينما كانت عائدة الى قريتها مع مجموعة من المرافقات تعرض لهن أحد الضباع فكان ان جعلته يقترب ويقترب حتى قلبت عدل القمح الكبير عليه فصرعته على الفور .

وفي احدى المرات كانت الحاجة خضرة في الاحراش تلتقط الحطب مع بزوغ الفجر واذا بها تسمع أحد سكان القرية وهو الحاج المرحوم …. …….. يركض قائلا (استناني يابا) فعرفت انه (مضبوع) فكان أن اعترضته وضربته بحجر على رأسه حتى استفاق من ركضه وراء الضبع، وبعد دقائق قليلة تبعه المرحوم …. ……. مكرراً نفس العبارات وقامت بنفس العمل وأنقذت حياتهم ولا زال سكان القرية يذكرون هذه الحادثة حتى هذا اليوم.

حادثة غريبة

قبل شروق الشمس توجهت المرأة الحديدية الى قرية فوعرا لتعبئة الماء برفقة ابنتها الحاجة (مشايخ) ومجموعة من نساء القرية وتحديداً الى منطقة تسمى (جحرا) وتبعد هذه المنطقة 10 كيلومتر عن قريتها ، وعند و
صولهن تناولت تنكة الماء والقتها في النبع لتعبئتها وشعرت بمن يضربها على يدها فقالت له (ان كنت جن أنا أجن منك، سايق عليك الله يالي بهالعين تحملني المي) فكان ان تفاجأت بتنكتي الماء على رأسها وسط ذهول النساء المرافقات لها، ومباشرة سمع الجميع صوتاً مدويا مثل هدير الطائرة مر بقربهن وعادوا الى القرية عند الصباح مصدومين مما شاهدوا وسمعوا.

ترميم بيوت القرية

عانى بعض اهالي قرية حور قديما من حاجة بيوتهم الى الترميم ، وتحدثوا في ذلك كثيراً، وفي صباح أحد الايام ُصدم سكان القرية ان البيوت القديمة قد ُرممت ، وأشاروا ببنانهم الى الحاجة خضرة ، وعند سؤالها أنكرت أنها قامت بذلك لوحدها وأشادت بابنتها الحاجة (مشايخ) وبمن ساعدها على هذا الجهد الجبار، وكانت هذه خدمة كبيرة لاهالي القرية في تلك الاوقات الصعبة، حيث كان الرجال يعملون في الحقول من شروق الشمس الى غروبها.

.كتب وأجرى اللقاء : حسان علي عبد – أخبار إربد



Post a comment or leave a trackback: Trackback URL.

أضف تعليق