.اسم الكاتب لم يورد بالمقال! .جريدة الغد
كان والدي رحمه الله موظفا في دائرة النافعة التي تسمى اليوم وزارة الاشغال العامة. وقد انتقل الوالد للعمل في عمان عام 1955. وقد سكنا نحن العائلة في منزل بالقرب من مدرسة خالد بن الوليد في جبل الجوفة، حيثدرسنا انا وإخواني في هذه المدرسة نفسها في المرحلة الابتدائية.
لست هنا بصدد سرد قصة حياتي ولكن اود ان اسرد قصة عمان القديمة عمان الحميمة في الخمسينيات والستينيات، حيث كانت عمان عبارة عن مدينة صغيرة اطلق عليها مدينة الجبال السبعة ناهيك عن التسميات الاخرى القديمة مثل ربة عمون أو فيلادلفيا. وقد ارتأيت ان اكتب الاوصاف على شكل محطات ونقاط كالتالي:
شارع الملك فيصل: كان في وسطه وبالتحديد في الجزيرة الوسطية مطعم صغير وبجانبه مواقف سيارات الشام خاصة وهو من اشهر شوارع الوسط التجاري في المدينة، ناهيك عن دخلة منكو بمحلاتها المشهورة والفنادق الصغيرة وكذلك المقاهي التي ما يزال بعضها شاهدا على تلك الحقبة من الزمن.
السيارات في عمان: كانت السيارات من النوع القديم المتداول آنذاك وخاصة التكسي، حيث يفتح الباب الامامي من جهة الموتور أي عكس السيارات الحالية.
باصات النقل العام: وهي من النوع القديم، حيث لم تتوفر فيه اشارة إلكترونية بعد، فقد كانت هناك قطعة من الصاج على شكل سهم طوله حوالي 30 سم وضع من جهة السائق حتى يرفع هذا السهم في حال انعطافه الى تلك الجهة اثناء المسير.
الملعب الرئيسي: كان الملعب الرئيسي في عمان هو ملعب الكلية العلمية الاسلامية بجبل عمان، حيث تقام عليه المباريات الداخلية والخارجية. وكانت الكلية العلمية الاسلامية قد حظيت بجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال ان يكون على مقاعدها في المرحلة الابتدائية. وكانت أرقى وأشهر مدرسة في عمان.
النوادي الرياضية: كانت النوادي في عمان في تلك الفترة متعددة ومن أشهرها نادي الجزيرة الذي كنت لاعبا فيه. كذلك نادي الاهلي والنادي الفيصلي ونادي الشباب ونوادٍ أقل درجة كنادي الجزائر. وفي تلك الفترة كانت المدارس هي التي تخرج اللاعبين لينضموا الى النوادي.
مقاهي عمان: كانت المقاهي الشهيرة في عمان هي في وسط البلد وخاصة في الخمسينيات مثل مقهى الجامعة العربية ومقهى السنترال ومقهى حمدان. اما مقهى الجامعة العربية، فقد كانت له شرفة (بلكون) تطل على ساحة المسجد الحسيني وشهد هذا المقهى النشاطات الحزبية آنذاك فيقف امناء الاحزاب على هذه الشرفة ويلقون الخطب الرنانة التي يتجمع الناس حولها في ساحة المسجد ليستمعوا الى الخطيب. بالاضافة الى ان من رواد هذا المقهى النخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية ايضا. اما مقهى حمدان، فقد احتضن المؤتمر الوطني الاول عام 1928.
فندق الملك غازي: فقد بني في العشرينيات من القرن الماضي في شارع السعادة بوسط البلد وكان من رواده ونزلائه شيوخ العشائر الذين يحضرون الى عمان من كافة مناطق المملكة والمبيت فيه.
فندق فيلادلفيا: وكان من أرقى فنادق عمان على الاطلاق وخاصة انه احتضن المغفور له الملك المؤسس الملك عبدالله الاول في بداية الامارة. وكان يقع امام المدرج الروماني.
نادي الملك حسين: ويقع في جبل عمان قرب مجلس الامة سابقا وكان من رواده النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتجري فيه الاجتماعات واللقاءات.
مطعم ومقهى الدبلومات: ويبعد عن نادي الملك حسين حوالي 200 متر، حيث يقدم الخدمة على الرصيف ويلتقي فيه المثقفون والعشاق.
الراديو: كان جهاز الراديو هو المتداول بين الناس آنذاك ويتنقلون من محطة الى محطة عبر مفاتيحه وكان من الحجم الكبير أو الحجم الصغير (الترانسيستور) ليستمعوا الى اخبار الدنيا والاغاني والموسيقى والمسلسلات الاذاعية، حيث لم يكن قد اخترع جهاز التلفاز بعد.
المدرج الروماني: لقد كان مسرحا رئيسيا في عمان حيث تقام عليه الحفلات الفنية لكبار المطربين مثل وديع الصافي وفريد الاطرش وغيرهم وكذلك حفلات الملاكمة بين فهد الطنبور وأديب ابطال الشرق الاوسط في تلك الفترة، كذلك الفرق الاجنبية للتزلج على الجليد.
الخط الحديدي الحجازي: وقد بدأ العمل به عام 1908 ولحسن الحظ انني ركبت بالقطار انا وأهلي منمدينةمعان الى عمان عام 1955. وينقل هذا القطار الركاب والبضائع فيتنقل ما بين الشام وعمان وكذلك معان.
كلية الحسين الثانوية: وتقع في جبل الحسين وما تزال. فقد كان لها طابع خاص، حيث خرجت النخب من رجالات الاردن وأذكر المرحوم الاستاذ نظمي السعيد مدرس الرياضة المشهود له بتخريج ابطال الرياضة من لاعبي كرة القدم وغيرها من الرياضات الاخرى.
مدرسة رغدان الثانوية: وتبعد عن كلية الحسين حوالي 300 متر وكانت ايضا مدرسة مشهورة في عمان ولا ننسى اننا تعلمنا فيها دروس التدريب العسكري، حيث كنا نذهب للرماية في طبربور. ومن مدرسيها الاساتذة هاني ابو عبود ونايف العساف وفتح الله والصلاج وغيرهم وكان من زملائي محمد العمايرة وفايز الخطيب ومحمود الشنقيطي ومحمد المجالي.
الاناشيد المدرسية: كنا ننشد في طابور الصباح في المرحلة الابتدائية والاعدادية اناشيد وطنية وقومية معبرة وذلك بعد انشاد السلام الملكي، نشيد دمت يا شبل الحسين أو بلاد العرب أوطاني أو حماة الديار عليكم سلام أو نشيد الجزائر وغيرها من الاناشيد العربية.
جبل عمان: وكان من أرقى وأشهر جبال عمان منذ نشوء الدولة الاردنية، حيث يضم السفارات والوزارات والمراكز الثقافية مثل المعهد البريطاني والمعهد الاميركي ورئاسة الوزراء وقصر زهران والفنادق العريقة كفندق الاردن وكذلك مبنى شركة التأمين على الدوار الاول ومستشفى ملحس من اقدم مستشفيات عمان. وأيضا شارع الرينبو نسبة الى سينما الرينبو ويقع فيه المعهد البريطاني الذي تعلمنا فيه دورات في اللغة الانجليزية. كذلك تقع فيه المدرسة الاهلية للبنات العريقة.
جبل اللويبدة: وهو جبل عريق هادئ له نكهة خاصة وكنا نسميه جبل الثقافة والرقي وتقع فيه مدرسة التراسنطة ومدرسة كلية الشريعة ومدرسة ضرار بن الازور وغيرها. وكان الناس يحلو لهم المشي (الكزدرة) عبر شوارعه ويتجمعون عند الدوار وبجانبه مطعم سيزار الشهير، حيث تقام فيه الاعراس والحفلات، بالاضافة الى وجود المركز الثقافي الفرنسي فيه ناهيك عن المتحف والمتنزه.
متنزهات الرصيفة: كانت العائلات وأهل عمان عموما، عندما يريدون قضاء اوقات العطل الاسبوعية أو الرسمية، فإنهم يذهبون للجلوس في متنزهات الرصيفة المشهورة في تلك الفترة وخاصة لقرب الرصيفة من عمان ويخترقها سيل الزرقاء الذي يأتي من رأس العين بعمان، حيث تصب مياه الامطار من الجبال المحيطة وتسير هذه المياه عبر السيل في وسط عمان الذي كان مفتوحا قبل عملية سقفه وتم عمل شارع فوقه تسير عليه السيارات. ولا ننكر بأن امانة عمان الكبرى انشأت الصروح الثقافية على هذا المجرى.
المثقفون: لاغرابة ان الاردن قد خرج من رحمه الاديب والشاعر والفنان والكاتب والموسيقي. ومن هذه الاسماء الشهيرة في بلدنا اذكر بعضهم مع حفظ الالقاب: مصطفى وهبي التل، عبدالمنعم الرفاعي، روكس العزيزي، حسني فريز، تيسير السبول، عبدالحليم عباس، عيسى الناعوري وغيرهم الكثير من الفنانين مثل اسماعيل خضر وجميل العاص وسلوى وسامي الشايب وفهد نجار وتوفيق النمري والمخرج زيد الكيلاني وهاني صنوبر والمذيعون القدامى محمود الشاهد وحيدر محمود وإبراهيم الذهبي وعلي اسعد وغيرهم. وكما قال الشاعر حيدر محمود : لغير عمان هذا القلب ماخفقا وغير فرسانها الشجعان ماعشقا ولااحبت عيوني مثل طلتهم على الروابي رماحا تنشر العبقا.